في أواخر يناير رددت الصحف العالمية، لاسيما الإنجليزية، اسم المدرب السعودي، سعد الشهري. إنه خليفة أسطورة ليفربول الإنجليزي ستيفن جيرارد.
كان الدوري في منتصفه تمامًا، حين دخل سعد الشهري إلى غرفة ملابس الاتفاق للمرة الأولى لتولي مهمة الإشراف الفني على الفريق فيما تبقى من منافسات الموسم.
اتجه المدرب السعودي إلى اللاعب الهولندي جورجينيو فينالدوم، وقال له: "لن تعود إلى اللعب في المحور بعد الآن". هكذا اتخذ الشهري قراره الشجاع، ومضى يراقب لاعبه يسجل الهدف تلو الآخر.
أسهم فينالدوم بشكل كبير في صعود الاتفاق من المركز الـ 12 (حيث تركهم جيرارد) إلى المركز الثامن، وأصبح السؤال المطروح للمتابعين عن تألقه، بعدما صعد إلى صدارة الهدافين في فريقه.
كان فينالدوم نجم الاتفاق في كل المباريات. ويرتفع تألقه في المباريات الكبرى، هو من أهدى الشهري النقاط الثلاث الأولى في لقاء الشباب، بهدفيه الرائعين. ثم كرر ثنائيته في ملعب النصر، وقاد الريمونتادا 3-2. وأخيرًا سجل هدف التعادل في مرمى القادسية بجولة الديربيات.
قال سعد الشهري: "أول قرار اتخذته بخصوص فينالدوم تغيير مركزه. كان يلعب محورًا في الرقم 6، لكني رأيت أنه يملك إمكانات هجومية عالية، فقررت تقديمه للمركز 10، وأحيانًا إلى المركز 8 حسب مجريات المباراة."
أمضى الشهري قبل تدريبه للاتفاق، 6 أشهر يستعيد فيها أنفاسه من عمل 6 أعوام متواصلة مع المنتخبات السعودية السنية. تلقى الشهري عروضًا للعمل في الأندية، لكنه كان يسعى لهدفٍ آخر، ويمتلك طموح ورؤية خاصة به.
يقول الشهري: "عُرضت عليّ فرص كثيرة، لكنني لم أكن أبحث عن فرصة عمل فقط، بل كنت أبحث عن نادٍ أستطيع أن أنجح فيه، وأكمل من خلاله مسيرتي التي بدأت منذ عام 2008."
لم يبد الشهري أي مخاوف من العمل في الاتفاق حينها، وقال: "أنا قرأت الواقع، وكنت أتابع الاتفاق بشكل جيد، ومن قراءتي للمشهد، لم أرى أن الاتفاق فريق مهدد بالهبوط، فالفريق يملك عناصر جيدة."
بهذه الكلمات افتتح سعد الشهري حكايته مع الاتفاق. لم يكن ينتظر أول عرضٍ يُقدَّم له ليقول "نعم"، بل كان ينتظر المكان الذي يشعر بأنه يُشبهه. نادٍ يمكن أن يرى نفسه فيه، ويصنع فيه شيئًا يتجاوز مجرد التواجد.
ومن هذا المنطلق، حين نظر إلى الاتفاق، لم يراه فريقًا مهددًا بالهبوط. على العكس، كان يتابعه عن قرب، ويؤمن بأن عناصره المميزة وإمكاناته الفنية قادرة على التقدّم، لا التراجع.
تسلم المهمة بعد فترة قاد فيها المدرب ستيفن جيرارد الفريق، وكانت أغلب اختيارات التشكيلة من قراراته الفنية. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه لم يراه عائقًا. فهو يمتلك خبرة من عام 2008، وأدرك أن النجاح في مثل هذه المواقف يتوقف على مدى قدرته على إيصال فكرته للاعبين، وهذا ما حرص عليه منذ اللحظة الأولى.
يقول: "ركزت على الجانب المعنوي، والسعي إلى إيجاد توازن واضح بين طريقة اللعب والعلاقة مع اللاعبين."
كان مؤمن بأن اللاعب السعودي اليوم بات يمتلك فكرًا احترافيًا عاليًا. وهذا تطور يُحسب له. لا يفرق بين لاعب شاب أو نجم كبير، بل يؤمن بأن الالتزام والعطاء هما المعيار الحقيقي. ومنذ بداية عمله، سعى لترسيخ هذا المبدأ، بأن الانضباط هو ما يصنع الفارق، وليس الأسماء.
ومن اللاعبين الذين لفتوا انتباهه قال: "عبد الإله المالكي. بصراحة، تطوره واضحًا، وأنا سعيد جدًا بما وصل إليه من مستوى متقدم خلال هذه المرحلة."
أما عن أصعب مباراة واجهته، فكانت بلا شك أول مباراة له مع الفريق أمام الشباب، ومع ذلك تمكّن، بفضل الله، من تحقيق الفوز. وكانت محطة مفصلية، وبداية موفقة.
أما عن مواجهاته مع الهلال، ففي موسم 2017–2018، كان المدرب السعودي الوحيد الذي لم يخسر أمام الهلال. قائلاً: "أؤمن بأن الهلال فريق كبير، وأي مدرب يحتاج إلى تحضير ذهني وفني عالٍ، لكنني أرى أن تلك النتائج كانت بتوفيق من الله، إلى جانب العمل الفني المكثف الذي سبقها."
وأضاف الشهري: "اليوم، يوجد في دوري روشن السعودي 4 مدربين سعوديين، وأنا أعتز بأنني كنت الأسبق بينهم. وهذا يعني أن المسؤولية باتت أكبر. نحن كمدربين سعوديين نفكر في تقديم الأفضل. في النهاية، كلنا نكمل بعضنا."
وأخيرًا، "أؤكد أن التحدي الأكبر الذي يواجه المدرب السعودي هي الثقة. نحن نمتلك الكفاءة، لكننا بحاجة إلى فرص حقيقية واستمرارية. الكرة السعودية لن تتطور إلا بأبنائها، والمدرب السعودي يستحق أن يُمنح المساحة التي تتيح له أن يُثبت نفسه ويترك بصمته."
وهكذا، لم تكن رحلة المدرب الوطني سعد الشهري مع الاتفاق مجرد محطة في سجله التدريبي، بل كانت امتدادًا طبيعيًا لمسار بدأه بإيمان، وصنعه بتجارب، وتوّجه بثقة لا تهتز في قدرات أبناء الوطن.
من قراءة المشهد إلى قراءة اللاعبين، أثبت أن المدرب السعودي لا يحتاج إلا إلى فرصة حقيقية… ليصنع منها قصة نجاح تُروى.
ففي زمن تتسابق فيه الأسماء، يبقى الأثر هو العنوان الأصدق..
وسعد، حتى الآن، يكتب أثره بصوت هادئ، وأفعال مسموعة..