close menu

السعودية وفلسطين.. موقف ثابت لا تُزحزحه المتغيّرات

تقف المملكة مع الحق الفلسطيني منذ عهد المؤسِّس

"موقفنا ثابت لا يتزعزع وليس محل تفاوض أو مزايدات... ونرفض بشكل قاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء بالاستيطان، أو الضمّ، أو التهجير".. بهذه الكلمات القوية استهلت وزارة الخارجية بيانها فجراً للتأكيد على موقفها من القضية الفلسطينية والذي أثبتت الأيامُ والسنُونَ ثباته كالجبال وصلابته كالفولاذ.. فمنذ عقود طويلة رفض الملك عبدالعزيز عروض وإغراءات روزفلت لشرعنة توطين اليهود في فلسطين وسال الدم السعودي على أرض فلسطين في حرب 1948، وقبل شهور قليلة أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز على موقف المملكة بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

أرسلت السعودية رسالة فورية وصارمة تؤكد على سيادة واستقلالية قرارها

بيان المملكة الذي صدر فجر الأربعاء جاء يبعث رسالة واضحة ومُباشرة أن هذا الملف ليس محل تفاوض ولا تنازلات ولا مُزايدات، وأن السعوديين يقفون مع الحق الفلسطيني في وجه أي محاولات تسعى لتصفية هذا الحق أو إجهاضه.

أرسلت السعودية في بيانها الفوري الرافض لتصفية القضية الفلسطينية رسالة صارمة تؤكد على سيادة واستقلالية القرار السعودي، وأن تحقيق السلام الدائم والعادل لن يكون دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية... وسيشهد العرب والمسلمون وجميع أصحاب الضمائر الحية حول العالم للمملكة العربية السعودية، ثبات مواقفها ومبادئها تجاه القضية الفلسطينية، وأنها لم ولن تتأخر عن الرد على أي محاولات للمساس بالحق الفلسطيني أو التأثير عليه بأي شكل من الأشكال.

منذ السابع من أكتوبر 2023 والمملكة تواصل سعيها الدؤوب بإشراف مُباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لوقف الحرب وإنهاء حصار قطاع غزة وحشد الدعم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، وأمام جميع دول العالم المُحبة للسلام اليوم فرصة للحاق بركب هذا الجهد، لدعم حقوق الشعب الفلسطيني الذي عبرت عنه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة للأمم المتحدة.

الملك عبدالعزيز يرفض توطين اليهود في فلسطين

كان الملك عبد العزيز ثابتًا في دعمه لفلسطين، حيث رفض وعد بلفور والانتداب البريطاني، ورفض عروضًا مالية كبيرة مقابل الاعتراف بالمطالب الصهيونية، ودعم الثورات الفلسطينية، خاصة ثورة البراق (1929) والثورة الكبرى (1936)، مما دفع بريطانيا إلى التعهد سرًا بوقف الهجرة اليهودية، وصرح في عام 1941م قائلًا: "والذي نشهد عليه أننا ما ننام ليلة إلا وأمر جميع المسلمين يهمنا، يهمنا أمر إخواننا السوريين، وأمر إخواننا الفلسطينيين، ويزعجنا كل أمر يدخل عليهم منه ذل أو خذلان، لأننا نرى أنهم منا ونحن منهم".

وأرسل رسائل قوية إلى فرانكلين روزفلت محذرًا من خطر المشروع الصهيوني، ورفض خلال لقائهما الشهير عام 1945 أي محاولات لتوطين اليهود في فلسطين، كما حمّل أمريكا وبريطانيا مسؤولية التقسيم وأمر القوات السعودية بالمشاركة في حرب 1948م، وظل مدافعًا عن فلسطين رغم انشغاله بتأسيس الدولة آنذاك، معتبرًا القضية الفلسطينية مسؤولية عربية وإسلامية مشتركة. وفي حديث للملك عبدالعزيز مع الكاتب الأمريكي ألفريد ليلينتال عام 1954م، قال: "فلسطين عربية، هذا حجر الزاوية".

أبناء المؤسِّس على نهجه

نهج الملك المؤسس سار عليه أبناؤه الملوك من بعده، فلقد كان الملك سعود بن عبدالعزيز مدافعًا قويًا عن القضية الفلسطينية وسعى لحشد الدعم العربي والإسلامي خلف الحقوق الفلسطينية، حضر مؤتمر أنشاص (1948)، مما زاد ارتباطه بالقضية، ثم زار فلسطين وأكد من هناك أن العرب لن يتخلوا عنها، ودخل في سجالات مع الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان وذكّره بعهود سلفه روزفلت حول فلسطين، كما رفض الوعود الغربية واتجه لحشد دعم الدول الإسلامية، داعيًا لمؤتمر يبحث تقديم العون العسكري للفلسطينيين.

كما رفض نقل السفارات الأمريكية والبريطانية إلى القدس (1954) واحتجّ بشدة، مما تسبب في توتر العلاقات بين البلدين، وهدد -رحمه الله- بوقف العقود مع الشركات الفرنسية بسبب دعم فرنسا لإسرائيل، مما أجبرها على التراجع، وسعى لتوحيد العرب لمواجهة الصهيونية، ودعا لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية (1964) لدعم القضية دوليًا، ليصبح هذا التحرك نقطة تحول في النضال الفلسطيني.

 قرار تاريخي بقطع النفط عن الغرب

كان الملك فيصل مدافعًا قويًا عن فلسطين منذ بدايات القضية الفلسطينية، حيث عارض مشروع التقسيم (1938) وهدّد بريطانيا بأن علاقتها بالعرب ستتضرر إن لم تُحل القضية بعدالة، وبعد نكسة 1967م، أسس الجبهة العربية الموحدة لمواجهة الصهيونية، وأقنع الرئيس الفرنسي شارل ديغول بوقف تسليح إسرائيل. وعند حريق المسجد الأقصى (1969)، دعا لمؤتمر إسلامي لمواجهة الاعتداءات الصهيونية، وفي حرب أكتوبر 1973، اتخذ قراره التاريخي بقطع النفط عن أمريكا والدول الغربية لدعمها إسرائيل، وإسناداّ للجيش المصري، مما عزز النصر العربي، ظلّ موقفه تجاه فلسطين رمزًا للصمود، ويحظى باحترام عالمي بسبب صلابته في مواجهة الضغوط الغربية، ولا تزال كلمته وصيحاته الداعمة لفلسطين والرافضة للتوجهات الإسرائيلية تترد في آذان كل سعودي وعربي. 

دعم الانتفاضة وصيانة المقدسات

أكد الملك خالد أن تحرير فلسطين قضية المسلمين الأولى، ودعا لمواجهة المخططات الصهيونية. منذ بداياته السياسية، شارك في مؤتمر فلسطين (1945) مع الملك فيصل، ثم واصل دعم القضية خلال حكمه، فبادر بالدعوة إلى انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية (1981). وعندما اجتاحت إسرائيل لبنان (1982)، أمر بدعم المقاومة الفلسطينية، كما قدم دعمًا ماليًا من حسابه الخاص بقيمة 5 ملايين دولار لياسر عرفات، مؤكدًا التزامه الثابت بالقضية.

وكان موقف الملك فهد بارزًا على الصعيدين السياسي والمالي، فقد طرح عام 1981 مشروع السلام الذي تبنته القمة العربية في فاس 1982، وأصبح أساسًا للمبادرات اللاحقة، ودعم الانتفاضة الفلسطينية عام 1989 بمبلغ 6 ملايين دولار شهريًا، وعارض قرار الكونغرس الأمريكي عام 1997 باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. كما شاركت المملكة في مؤتمر مدريد 1991 لدعم حقوق الفلسطينيين.

أما على مستوى دعم القدس والمسجد الأقصى، فقد أمر -رحمه الله- بترميم الحرم القدسي ومساجد القدس، وتبرع لإنقاذها من التصدع، كما أرسل سجادًا فاخرًا لفرش المسجد الأقصى بالكامل. واقترحت المملكة صندوق الأقصى وانتفاضة القدس برأسمال مليار دولار لدعم القدس والاقتصاد الفلسطيني، واستمراراً للدعم المالي والإنساني، أعلن الملك فهد تبرع المملكة بمبلغ 300 مليون دولار لدعم التنمية الفلسطينية، بالإضافة إلى تخصيص 130 مليون دولار لدعم عائلات الشهداء والجرحى والتعليم والمستشفيات وإعادة الإعمار.

مبادرة السلام العربية

في عهد الملك عبدالله استمر موقف المملكة الصارم ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية وعلى رأسها القدس الشريف، وظلت المملكة تقدم كل أشكال الدعم السياسي والمادي للشعب الفلسطيني. وفي قمة القدس التي استضافتها القاهرة في أكتوبر 2000م، أكد الملك عبد الله حين كان وليًا للعهد أن القدس الشرقية قضية عربية غير قابلة للتنازل والمساومة، وأن الحفاظ عليها وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية مسؤولية مشتركة. كما أطلق مبادرة السلام العربية في القمة العربية الـ14 بالعاصمة اللبنانية بيروت عام 2002، بهدف إقامة دولة فلسطينية معترَف بها دوليًا على حدود 1967 عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، مع انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، ونالت المبادرة تأييدًا عربيًا. وفي 8 فبراير 2007 نجحت المملكة في لمّ شمل الفرقاء الفلسطينيين في مكة المكرمة بعد اتفاق وفدَيْ فتح وحماس على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وفي عام 2011 قدم الملك عبد الله مبادرته التاريخية للعالم لحل القضية الفلسطينية، والتي تضمنت إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، مما أكد أن قضية فلسطين تظل أولى القبلتين والقضية المحورية للعرب والمسلمين.

قمة القدس بوجه صفقة القرن

بدأ الملك دعمه للقضية الفلسطينية منذ كان شاباً وعندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، حيث كان ضمن القوات السعودية التي شاركت في حرب 1948م، وترأس اللجان الشعبية لمساعدة المجاهدين وأسر الشهداء بعد نكسة 1967م. وفي عام 1989، افتتح السفارة الفلسطينية في الرياض ورفع العلم الفلسطيني على مقرّها. وتقديراً لجهوده وموقفه التاريخي من القدس وفلسطين تم تكريمه من قبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1998 بوسام نجمة القدس، حيث أكد الملك سلمان أن دعم السعودية للقضية الفلسطينية موقف مبدئي وليس بحثًا عن الشكر.

وتدخل خادم الحرمين الشريفين شخصيًا لحل أزمة المسجد الأقصى بعد إغلاقه، مما يعكس حرصه على مقدسات المسلمين وثوابت القضية الفلسطينية. وعقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2017م اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ ترأس الملك سلمان قمة عربية تحت اسم "قمة القدس" في الظهران، تعبيرًا عن المسؤولية التي تتحملها المملكة تجاه القضية، والتي أكدت أن فلسطين هي القضية المحورية للعرب وأنه لا تنازل عن القدس.

لا علاقات دون دولة فلسطينية

كان -ولا زال- موقف ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان ثابتاً وراسخاً، ولا يتزعزع أو يتبدل، كما أنه لا يقبل المساومة أو الخضوع لأي مزايدات سياسية، ولقد أكد الأمير محمد بن سلمان مراراً أن السلام العادل والشامل هو السبيل الوحيد لتحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية. وبدون ذلك، لن تكون هناك أي علاقات دبلوماسية محتملة مع إسرائيل.

وبعد مرور ساعة واحدة فقط من خطاب ترامب أمس، والذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة تريد السيطرة على قطاع غزة ونقل سكانه إلى مصر والأردن، وادعى خلاله أن السعودية "لا تطالب بدولة فلسطينية مقابل اتفاق سلام مع إسرائيل". ردت وزارة الخارجية سريعاً، وأكدت أن موقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية راسخ وثابت لا يتزعزع، ولا يقبل التفاوض أو المساومة، وقد عبر عنه ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بشكل واضح خلال خطابه في افتتاح الدورة التاسعة لمجلس الشورى.

وشدد ولي العهد في ذلك الخطاب على التزام المملكة بجهودها الدؤوبة نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مؤكدًا أنه لن يتم إقامة أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون تحقيق هذا الهدف كما أكد على أهمية الاعتراف الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني خلال القمة العربية الإسلامية غير العادية، وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

كما جدد بيان وزارة الخارجية التشديد على ما سبق أن أعلنته المملكة من رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي، أو ضمّ الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، كما أن واجب المجتمع الدولي اليوم هو العمل على رفع المعاناة الإنسانية القاسية التي يرزح تحت وطأتها الشعب الفلسطيني الذي سيظل متمسكًا بأرضه ولن يتزحزح عنها.

وشددت على أن هذا الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات، وأن السلام الدائم والعادل لا يمكن تحقيقه دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وأشارت إلى أن هذا الموقف سبق إيضاحه للإدارة الأمريكية السابقة والإدارة الحالية.


أضف تعليقك
paper icon