شدد المركز السعودي لزراعة الأعضاء على وضع المرضى المحتالين ممن يجلبون متبرعين بمبالغ مالية في القائمة السوداء، كونها جريمة تندرج تحت دائرة المتاجرة بالأعضاء، والتي بموجبها لن يتم إدخالهم لأي مستشفى من مستشفيات السعودية لزراعة الأعضاء.
في حين يستند بعض مرضى الكلى بصفة خاصة على حديث "الضرورات تبيح المحظورات"، وآخرون يجبرهم المرض وطابور الانتظار الطويل على التوجه إلى السوق السوداء لبيع الأعضاء في الخفاء للهروب من معاناة الغسيل وطوابير الانتظار الطويلة للوصول لمتبرع والتي قد تمتد لنحو خمس سنوات.
الكلية بـ130 ألف ريال
توجه محمد علي "27 عاما" إلى إدراج اسمه ضمن قائمة المحتاجين لمتبرعي الكلى، نتيجة خضوعه لجلسات شبه يومية بمعدل أربعة أيام في الأسبوع، على امتداد أربع ساعات في الجلسة الواحدة، يخرج بعدها باحثا عن النوم لإراحة جسده من عناء الغسيل.
ولم تفلح محاولات أشقاء محمد في التبرع له بعد أن تعذر تطابق إجراءات التبرع مع أخوته الخمسة، في حين كان هناك تطابق مع والدته الثمانينية التي فضلت الموت لكي تمنح ابنها الأصغر كليتها، إلا أنه رفض بشدة إجراء الجراحة لها لكبر سنها وعدم تحمل جسدها المجهد بالأمراض لمضاعفات التبرع.
وقال محمد لـ"مكة" أتعبني الغسيل وسلب وقتي وراحتي، حتى إنني لم أعد أستطع الدوام في عملي الذي يجبرني على الدوام في اليوم التالي من الغسيل، بينما نعتبر نحن من الظروف الخاصة التي يجب الوقوف بجانبها، وحاولت إيجاد متبرع ولكن باتت كل محاولاتي بالفشل.
وأضاف، صادفت أحد الأشخاص في المستشفى وقال لي إنه سيرشدني إلى شخص على استعداد للتبرع بكليته مقابل مبلغ معين، حيث جلب لي شخصا من إحدى الجنسيات العربية يعمل في أحد المطاعم، وطلب مني مبلغ 100 ألف ريال مقابل التبرع بكليته، ووافقت، وبعد إجراء تحاليل المطابقة اختفى المتبرع.
وأكد محمد بعد عمليات بحث أخرى وجدت شخصا آخر يعمل في محل "بنشر" للسيارات وافق بالتبرع بكليته مقابل 110 آلاف ريال، وبعد إنهاء التحاليل كافة التي أثبتت وجود تطابق اتصل علي قبل يوم من دخول المستشفى وطلب مني زيادة 20 ألف ريال، ونظرا لحاجتي للكلية وافقت، وفي اليوم التالي تم إيداع المبلغ في حسابه وأجريت العملية، ومن الله علي بنجاحها ولله الحمد.
سوق سوداء
برزت في بعض مواقع التواصل الاجتماعي سوق سوداء للبيع والمتاجرة بالكلى تحت عذر سداد الدين، حيث تقف عدة معرفات بعض منها وهمي والآخر بأسماء حقيقية يهدف منها بعض إلى استدرار عطف المتابعين للحصول على المال دون التبرع بالكلى، في حين أن آخرين اتخذوا منها مصدر دخل من خلال السمسرة على بعض العاملين من جنسيات عربية من ميكانيكيين وكهربائيين وبنشريين وطباخين، حيث يتم إغراؤهم بمبالغ مالية تتراوح ما بين 150 – 200 ألف ريال، وهي مبالغ لا يمكن أن يجنيها الشخص حتى لو ظل يعمل 30 عاما في السعودية.
حيث يبدأ السماسرة بالتنسيق بين الطرفين للحصول على عمولتهم في حال اتفاقهما، إلا أن الحصة الأكبر تكون من نصيب المتبرع الذي يتم إغراؤه بالمال مقابل عملية بسيطة بعد سرد وشرح مفصل عن التبرع والأجر وفوائده، وعدم تأثر الشخص بالعملية.
أعضاء من الهند
في تويتر تواصلت "مكة" مع شخص يدعي أنه طبيب في أمراض السرطانات، واستشاري جراحة عامة في الهند ويدعى أسامة المنديلي، حيث بين أن إجراء عمليات زراعة الكلى والكبد للمرضى بأسعار تتفاوت ما بين 140 – 150 ألف ريال لزراعة الكلى، وأحيانا تتفاوت حسب ما يطلبه المتبرع، كما أن التكاليف تشمل توفير السكن والمواصلات والتحاليل كافة.
وقال المنديلي "أعمل نائبا لمدير المستشفى منذ عدة سنوات، ولنا نجاحات كثيرة في زراعة الأعضاء والتي لا تقتصر على الكلى والكبد فحسب، بل تمتد إلى زراعة جميع الأعضاء في الجسم، إذ إن بعض الأعضاء يتم توفيرها عبر الحكومة الهندية من خلال ما يتعرض له بعض جراء الحوادث، ويمكن من خلالها الحصول على أعضائهم التي لم تتعرض للتلف وزراعتها في الشخص المحتاج".
احتيال على المرضى
من بين الاحتيال الأشنع الذي يتعرض له مرضى الكبد والكلى إعلانات الشفاء الوهمية التي تنتشر في عدة دول، ويأتي في مقدمتها الصين، حيث قال محمد الحربي "اصطحبت ابنتي ذات العشرين ربيعا إلى الصين لعلاجها من تليف الكلى، حيث أكد أطباء في المستشفى أنهم سيعيدون كليتي ابنتي إلى وضعهما الطبيعي، وبعد أن صرفت نحو ٢٣٠ ألف ريال ما بين العلاج والإقامة عدت إلى السعودية دون حدوث أي تغيير إيجابي للحالة، بل إن الحالة تطورت لتصل إلى الفشل الكلوي، وبعد مراسلات معهم طلبوا مني الحضور لتغيير كليتها بمبلغ يتجاوز ١٧٠ ألف ريال".
في حين يقول تركي الهذلي، إن مبالغ التبرع بالأعضاء تكون مقبولة قبل السفر لتلك الدول، لكن ما أن يصل المريض إليهم ويدخل في البرنامج العلاجي وإجراء العملية، حتى يفاجأ بمضاعفة المبالغ المستحقة عليه، وغالبا ما يضطر ذوو المريض إلى الاستجابة لمطالبهم كون أكثر الحالات تكون مهددة بالموت في حال تأخرت عملية الزراعة.
قائمة سوداء
أكد مدير المركز السعودي لزراعة الأعضاء الدكتور فيصل شاهين لـ"مكة" أن أي شخص يرغب التبرع بأعضائه يمر عن طريق لجنة للتأكد من عدم حصوله على أي مبالغ مالية مقابل ذلك، حيث إن اللجنة لها عدد من الإجراءات والسياسات للتأكد من عدم وجود مبالغ مالية مقابل التبرع بالعضو، وأن الشخص يريد التبرع لوجه الله تعالى.
وأضاف شاهين، أنه لا يُمنع أن يمنح المستقبل المتبرع هبة مالية أو خلافه، ولكن لا بد أن لا تكون مشروطة وقد حصل عليها قبل العملية، وأنه تبرع من أجلها، لافتا إلى أن أي شخص يتفق مع المتبرع على منحه مبلغا ماليا مقابل العملية يندرج تحت دائرة المتاجرة بالأعضاء.
وأكد شاهين، أن التأكد من عدم وجود متاجرة هي مسؤولية اللجنة والمستقبل من الدرجة الأولى، لأنها في ذممهم سواء اللجنة إن كانت تعلم بذلك أو المستقبل إن أبرم اتفاقا مع المتبرع، مشددا على أن أي شخص تثبت عليه المتاجرة ومنح المتبرع مبلغا ماليا يندرج تحت قائمة يتم تعميمها على جميع المستشفيات ويمنع من التبرع له.
وبين شاهين، أن هناك عددا من الذين ثبتت عليهم المتاجرة وجرى تعميم أسمائهم على المستشفيات بعدم إجراء عملية زراعة لهم ومن لم يتم اكتشاف أمرهم يعدون متحايلين على اللجنة، لافتا إلى أن هناك مميزات وحوافز للمتبرعين بالأعضاء ما بين مبلغ مالي نحو 50 ألف ريال ووسام الملك عبدالعزيز وغيرهما.
حقوق المريض
من جهته، قال وكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مكة المكرمة الدكتور محمد السهلي، إن موضوع بيع الأعضاء بحثه المجمع الفقهي وغيره من المجامع الفقهية، وكانت فيه الآراء بالاتفاق بأنه حرام ولا يجوز، لأن الإنسان لا يبيع إلا ما يملكه، وهذه الأعضاء ليست ملكا لأحد، فهي من ملكيات الله عز وجل، مشيرا إلى أن بيعها محرم شرعا كما تجرمه المواثيق الدولية ويندرج تحت إطار المتاجرة بالبشر.
وقال السهلي، يختلف إذا كان المريض يحتاج لهذا العضو من عدمه، وقرر الأطباء بضرورة إيجاد عضو للحفاظ على حياة المريض، فهذا يعد ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، وهي تنزل في حق المريض ويمكنه شراء العضو إذا لم يجد متبرعا، أما بالنسبة لبائع العضو فهو لا يجوز.